أركان الإيمان في القرآن الكريم: تأصيلها ومواضعها في الآيات
يُعدّ الإيمان الركن الأساسي الذي يقوم عليه بناء العقيدة الإسلامية، وتتجلى أركان الإيمان في ستة أركان عظيمة ذُكرت في كتاب الله عز وجل، وهي: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره. وقد أورد القرآن الكريم هذه الأركان في مواضع متعددة بأساليب متنوعة، توضح جوهر العقيدة الإسلامية، وتُبيّن العلاقة الوثيقة بين هذه الأركان في صياغة التصور الإيماني الشامل الذي يجب أن يتحلى به المسلم.
أركان الإيمان في ضوء القرآن الكريم
يتوزع ذكر أركان الإيمان في آيات متعددة من القرآن الكريم، حيث لم تُذكر مجتمعةً في موضع واحد بلفظ “أركان الإيمان”، إلا أن الآيات القرآنية قد شملت هذه الأركان جميعها، ونُصّ على بعضها في مواضع مفصلة، لتبيان أثرها في حياة الإنسان، ومكانتها في بنية الإسلام العقدية. وفيما يلي استعراض لهذه الأركان من خلال ما ورد في القرآن الكريم.
أولاً: الإيمان بالله
الإيمان بالله تعالى هو أصل الأصول، وركيزة العقيدة، وهو الاعتقاد الجازم بوجوده سبحانه وتعالى، وربوبيته، وألوهيته، وأسمائه وصفاته. وقد جاء ذكر الإيمان بالله في مواضع كثيرة من القرآن، منها:
﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا﴾
[سورة التغابن: 8]
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ﴾
[سورة النساء: 136]
تؤكد هذه الآيات على وجوب الإيمان بالله وحده، وأن هذا الإيمان يشمل التوحيد الخالص لله، ويتضمن توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.
ثانياً: الإيمان بالملائكة
الملائكة من عالم الغيب، خَلَقهم الله من نور، وهم عبادٌ مكرمون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون. وقد جاء ذكر الإيمان بهم في قوله تعالى:
﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ…﴾
[سورة البقرة: 177]
﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾
[سورة النساء: 136]
يُفهم من هذه الآيات أن الإيمان بالملائكة ليس أمراً ثانوياً، بل جزء أصيل من الإيمان، وإنكاره يُعد كفراً وضلالاً عظيماً.
ثالثاً: الإيمان بالكتب السماوية
يتضمن الإيمان بالكتب الاعتقاد بأن الله أنزل كتباً على أنبيائه ورسله لهداية البشر، وأن القرآن الكريم هو خاتم هذه الكتب. وقد ورد ذلك في قوله تعالى:
﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ…﴾
[سورة البقرة: 285]
﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ﴾
[سورة المائدة: 44]
الإيمان بالكتب يقتضي الإيمان بأن القرآن مصدّق لما بين يديه من الكتب، وأن الكتب السابقة نُسِخت برسالة الإسلام الخاتمة.
رابعاً: الإيمان بالرسل
الإيمان بالرسل يشمل التصديق بجميع الأنبياء والمرسلين، الذين أرسلهم الله لهداية الناس، وخاتمهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وقد نصّت الآيات على ذلك:
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ… أُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا﴾
[سورة النساء: 150-151]
﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾
[سورة النحل: 36]
القرآن يربط بين الإيمان بالرسل وبين وحدة الرسالة، وأن من كفر بأحدهم كفر بالجميع، ومن آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم لزمه الإيمان بجميع الأنبياء قبله.
خامساً: الإيمان باليوم الآخر
اليوم الآخر هو يوم القيامة، يوم البعث والحساب والجزاء. وقد أكد القرآن على هذا الركن في آيات عديدة:
﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾
[سورة البقرة: 4]
﴿اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾
[سورة النساء: 87]
اليقين بالآخرة يتجاوز التصديق العقلي إلى التهيؤ العملي بالاستعداد له بالأعمال الصالحة، والخوف من العقاب، والرجاء في الثواب.
سادساً: الإيمان بالقدر خيره وشره
الإيمان بالقدر هو الاعتقاد بأن كل ما يحدث في الكون بتقدير الله وعلمه السابق، وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. وقد ورد في القرآن:
﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾
[سورة القمر: 49]
﴿وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا﴾
[سورة الأحزاب: 38]
القرآن يُقرر أن القدر من مظاهر كمال علم الله وقدرته، ويغرس في النفس الطمأنينة والرضا بقضائه وقدره.
مواضع الجمع بين الأركان الستة
جُمعت أركان الإيمان في مواضع قليلة من القرآن صراحةً أو ضمناً، ومن أبرزها:
﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ… وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ﴾
[سورة البقرة: 177]
﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾
[سورة النساء: 136]
في هذه الآيات تأكيد على تكامل العقيدة الإيمانية، وأن التفريط في أحد أركان الإيمان يُفقد الإنسان البنية العقدية الصحيحة.
جدول يوضح مواضع الآيات التي ذكرت أركان الإيمان
| الركن | الآية | السورة |
|---|---|---|
| الإيمان بالله | ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ | التغابن: 8 |
| الإيمان بالملائكة | ﴿وَالْمَلَائِكَةِ﴾ | البقرة: 177 |
| الإيمان بالكتب | ﴿وَكُتُبِهِ﴾ | النساء: 136 |
| الإيمان بالرسل | ﴿وَرُسُلِهِ﴾ | النساء: 136 |
| الإيمان باليوم الآخر | ﴿وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾ | البقرة: 4 |
| الإيمان بالقدر | ﴿كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ | القمر: 49 |
خاتمة
جاءت أركان الإيمان في القرآن الكريم بأسلوب ترسيخي وتربوي يعمّق المعاني الإيمانية في نفوس المؤمنين، ويغرس فيهم التصور الشمولي للحياة والكون والوجود. كل ركن من هذه الأركان يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالآخر، ويكمّل بناء العقيدة التي تجعل الإنسان عبداً لله عن علمٍ وبصيرةٍ ويقين.
هذه الأركان الستة ليست مجرد مفاهيم نظرية، بل هي إطار عملي يؤثر في سلوك الإنسان، وتفاعله مع العالم، ويكوّن لديه نظرة متوازنة تجمع بين الحقائق الغيبية والمسؤوليات الواقعية. وقد أحاطها القرآن الكريم بهالة من القداسة والأهمية، فصار الإيمان بها شرطاً في صحة العقيدة، وسبيلاً إلى الفوز في الدنيا والآخرة.
المصادر والمراجع:
-
ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، دار طيبة.
-
الطبري، جامع البيان في تأويل آي القرآن.
